فصل: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الحافظ الدارقطني:

صباحاً 3 :57
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
29
الإثنين
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أبجد العلوم (نسخة منقحة)



.أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصفهاني:

الإمام المشهور: بالظاهري كان زاهدا متقللا كثير الورع.
أخذ العلم عن: إسحاق بن راهويه وأبي ثور وغيرهما.
وكان صاحب مذهب مستقل وتبعه جمع كثير يعرفون: بالظاهرية.
وكان ولده: أبو بكر محمد على مذهبه وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد وهو إمام أصحاب الظاهر.
قال أبو العباس ثعلب: كان عقل داود أكثر من علمه وكان يقول: خير الكلام ما دخل الآذان بغير إذن.
ولد بالكوفة سنة 202 ونشأ ببغداد وتوفي سنة 307.
قال ولده: رأيت أبي في المنام فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وسامحني.
فقلت: غفر الله لك فبم سامحك؟
فقال: يا بني الأمر عظيم والويل كل الويل لمن لم يسامح.

.أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني:

كان حافظ عصره رحل في طلب الحديث من الشام إلى العراق والحجاز واليمن ومصر وبلاد الجزيرة وأقام في الرحلة ثلاثا وثلاثين سنة وسمع الكثير عدد شيوخه ألف شيخ وله المصنفات الممتعة النافعة.
منها: المعاجم الثلاثة: الكبير والأوسط والصغير وهي أشهر كتبه.
روى عنه: الحافظ أبو نعيم والخلق الكثير توفي سنة 360.
والطبراني:- بفتح الطاء والباء والراء – نسبة إلى: طبرية والطبري: نسبة إلى طبرستان.

.أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي الأندلسي المالكي:

كان من علماء الأندلس وحفاظها سكن شرق الأندلس ورحل إلى المشرق وأقام بمكة مع أبي ذر الهروي ثلاثة أعوام وحج.
ثم رحل إلى بغداد فأقام بها ثلاثة أعوام يقرأ الحديث ويدرس الفقه ولقي بها: أبا الطيب الطبري وأبا إسحاق الشيرازي وروى عن الخطيب وروى الخطيب عنه.
له: كتاب التجريح والتعديل فيمن روى عنه البخاري في الصحيح وغير ذلك وهو أحد أئمة المسلمين وكان قد رجع إلى الأندلس وولي القضاء هناك توفي بالمرية سنة 471.
وأخذ عنه: ابن عبد البر صاحب كتاب الاستيعاب وبينه وبين أبي محمد بن حزم الظاهري مجالسات ومناظرات وفصول يطول شرحها.
والباجي: نسبة إلى باجة وهي: مدينة بالأندلس وثم باجة أخرى: وهي: مدينة بأفريقية وباجة أخرى: وهي: قرية من قرى أصفهان.

.أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الكردي الشهرزوري المعروف: بابن الصلاح.

كان أحد فضلاء عصره في: التفسير والحديث وأسماء الرجال وما يتعلق بعلم الحديث ونقل اللغة والفقه.
قال ابن خلكان: وهو أحد أشياخي الذين انتفعت بهم.
تولى التدريس بالمدرسة الناصرية بالقدس وأقام بها مدة واشتغل الناس عليه وانتفعوا به.
ثم انتقل إلى دمشق وكان من العلم والدين على قدم عظيم.
وصنف في علوم الحديث كتابا نافعا ولم يزل أمره جاريا على السداد والصلاح والاجتهاد في الاشتغال والنفع إلى أن توفي يوم الأربعاء وقت الصبح في ربيع الآخر سنة 640، بدمشق.
ومولده: سنة 577، بشرخان.

.أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الحافظ الدارقطني:

كان عالما حافظا انفرد بالإمامة في علم الحديث في عصره ولم ينازعه في ذلك أحد من نظرائه وتصدر في آخر أيامه للإقراء ببغداد وكان عارفا باختلاف الفقهاء ويحفظ كثيرا من دواوين العرب.
روى عنه الحافظ: أبو نعيم الأصفهاني – صاحب حلية الأولياء – وقبل القاضي ابن معروف شهادته فندم على ذلك وقال: كان يقبل قولي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بانفرادي فصار لا يقبل قولي على نقلي إلا مع آخر.
صنف: كتاب السنن والمختلف والمؤتلف وغيرهما.
وخرج من بغداد إلى مصر وكان متفننا في علوم كثيرة إماما في علوم القرآن.
ولد سنة 306 وتوفي في سنة 385، ودفن قريبا من معروف الكرخي ودار القطن: محلة كبيرة ببغداد.

.أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي:

صاحب التفاسير كان أستاذ عصره في التفسير والنحو ورزق السعادة في تصانيفه وأجمع الناس على حسنها وذكرها المدرسون في دروسهم منها: البسيط والوسيط والوجيز ومنه أخذ: أبو حامد الغزالي أسماء كتبه الثلاثة وله: كتاب أسباب نزول القرآن وشرح ديوان المتنبي.
وكان تلميذ الثعلبي المفسر وعنه أخذ علم التفسير وأربى عليه.
وتوفي عن مرض طويل في سنة 467، بمدينة نيسابور.

.أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الإمام:

المشهور أصله من فارس ومولده بقرطبة من بلاد الأندلس يوم الأربعاء قبل طلوع الشمس سلخ شهر رمضان سنة 384 ويزيد – جده الأعلى-: وهو من موالي يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي كان حافظا عالما بعلوم الحديث وفقهه مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب فانتقل إلى مذهب أهل الظاهر.
وكان متفننا في علوم جمة عاملا بعلمه زاهدا في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الملك متواضعا ذا فضائل جمة وتواليف كثيرة.
ألف في فقه الحديث كتابا سماه: الإيصال إلى فهم الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام في: الواجب والحلال والحرام والسنة والإجماع أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين والحجة لكل طائفة وعليها وهو كتاب كبير.
قال ابن بشكوال في حقه: كان أبو محمد أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة مع توسعة في علم اللسان ووفور حظه من البلاغة والشعر والمعرفة بالسير والأخبار كتب بخطه من تأليفه نحو أربعمائة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة.
قال الحافظ الحميدي: ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه وكان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين لا يكاد يسلم أحد من لسانه فنفرت عنه القلوب واستهدف فقهاء وقته فتمالوا على بغضه وردوا أقواله وأجمعوا على تضليله وشنعوا عليه وحذروا سلاطنيهم من فتنته ونهوا عوامهم عن الدنو إليه والأخذ عنه فأقصته الملوك وشردته عن بلاده حتى انتهى. إلى بادية لبلة فتوفي بها آخر النهار من شعبان سنة 456، وقيل: في منت ليشم: وهي قرية ابن حزم.
قال ابن العريف: كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج الثقفي. شقيقين.
وإنما قال ذلك لكثرة وقوعه في الأئمة وكان والده وزير الدولة العامرية ذكر ذلك ابن خلكان في تاريخه.
قلت: وذكر الشيخ ابن عربي – صاحب الفتوحات – أنه رأى أبا حزم في المنام وقد عانق رسول الله صلى الله عليه وسلم فغاب أحدهما في الآخر فلم أعرف أحدهما عن الآخر هذا حاصل معناه وهذا يدل على حسن عاقبته ولطف علمه وخيرة طريقه وكما اتحاده بالنبي صلى الله عليه وسلم وليس وراء ذلك غاية – والله أعلم-.
والظاهرية: هم أئمة الأمة وسلفها وقدوة المسلمين في كل زمان ومذهبهم أصفى مذاهب عالم الإمكان ولنعم ما قيل:
بلاء ليس يعدله بلاء ** عداوة غير ذي حسب ودين

يبيحك منه عرضا لم يصنه ** ويرتع منك في عرض مصون

.القاضي: أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي.

كان إمام وقته في الحديث وعلومه والنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم له التصانيف المفيدة منها:
كتاب: الإكمال في شرح صحيح مسلم.
ومشارق الأنوار في غريب الحديث.
والشفا في حقوق المصطفى.
دخل الأندلس طالبا للعلم وأخذ بقرطبة عن جماعة وجمع من الحديث كثيرا وكان له عناية كثيرة به والاهتمام بجمعه وتقييده وهو من أهل اليقين في العلم والذكاء والفطنة والفهم.
واستقضي ببلدة سبتة مدة طويلة حمدت سيرته فيها ثم نقل منها إلى قضاء غرناطة فلم تطل مدته فيها وله شعر حسن ونثر بليغ.
ولد سنة 476 وتوفي في سنة 544، بغرناطة وهي: بلدة بالأندلس.

.أبو عبد الله محمد بن يحيى بن مندة العبدي الحافظ:

المشهور صاحب كتاب: تاريخ أصفهان كان أحد الحفاظ الثقات وهم أهل بيت كبير خرج منه جماعة من العلماء توفي في سنة 301.

.أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد المعروف: بابن العربي الأندلسي الإشبيلي المالكي.

الحافظ المشهور صاحب كتاب: القبس في شرح موطأ مالك بن أنس.
قال ابن بشكوال: هو ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها رحل إلى المشرق ودخل الشام وبغداد وسمع بها من جماعة.
ثم دخل الحجاز فحج ثم عاد إلى بغداد وصحب أبا بكر الشاشي وأبا حامد الغزالي – رحمهم الله – وغيرهما.
ثم صدر عنهم ولقي بمصر والإسكندرية جماعة من المحدثين فكتب عنهم واستفاد منهم وأفادهم.
ثم عاد إلى الأندلس وقدم إلى إشبيلية بعلم كثير لم يدخل أحد قبله بمثله ممن كانت له رحلة إلى المشرق وكان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها والجمع لها مقدما في المعارف كلها متكلما في أنواعها نافذا في جميعها حريصا على أدائها ونشرها ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها ويجمع إلى ذلك كله: آداب الأخلاق مع حسن المعاشرة ولين الكنف وكثرة الاحتمال وكرم النفس وحسن العهد وثبات الود واستقضي ببلده فنفع الله به أهلها لصرامته وشدته ونفوذ أحكامه وكانت له في الظالمين سورة مرهوبة.
ثم صرف عن القضاء وأقبل على نشر العلم وبثه.
ولد سنة 468، وتوفي بمدينة فاس في سنة 543.
وله مصنفات منها: كتاب عارضة الأحوذي في شرح الترمذي.
والعارضة: القدرة في الكلام والأحوذي: الخفيف في الشيء لحذقه.
وقال الأصمعي: المسمى في الأمور القاهر لها الذي لا يشذ عليه منها شيء.

.أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله المعروف: بابن تيمية الحراني الملقب: فخر الدين الخطيب الواعظ.

كان فاضلا تفرد في بلاده بالعلم وكان المشار إليه في الدين لقي جماعة من العلماء وأخذ عنهم العلوم وقدم بغداد وتفقه بها وسمع الحديث وصنف في مذهب الإمام أحمد مختصرا أحسن فيه وله ديوان خطب مشهور وهو في غاية الجودة وله نظم حسن وكانت إليه الخطابة بحران ولأهله من بعده ولم يزل أمره جاريا على سداد وصلاح حال.
ولد بمدينة حران سنة 543 وتوفي بها في سنة 621.
ذكره ابن سلامة في: تاريخ حران وأثنى عليه.
وذكره ابن المستوفي في: تاريخ إربل فقال: ورد إربل حاجا وذكر فضله قال: وكان يدرس التفسير كان يوم وهو حسن القصص حلو الكلام مليح الشمائل وله القبول التام عند الخاص والعام.
قال: سألته عن اسم تيمية ما معناه؟
فقال: حج أبي أو جدي – أنا أشك أيهما؟- فلما رجع إلى حران وجد امرأته قد وضعت جارية فلما رفعوها إليه قال: يا تيمية يا تيمية يعني: إنها تشبه التي رآها بتيماء فسمى بها أو كلاما هذا معناه.
وتيماء: بليدة في بادية تبوك إذا خرج الإنسان من خيبر إليها تكون على منتصف طريق الشام.
وتيمية: منسوبة إلى هذه البليدة وكان ينبغي أن تكون تيماوية لأن النسبة إلى تيماء: تيماوي لكنه هكذا قال واشتهر كما قال.

.يوسف بن عبد البر بن محمد النمري القرطبي:

إمام عصره في الحديث والأثر وما يتعلق بهما لم يكن في الأندلس مثله في علم السنة وكان أحفظ أهل المغرب في زمانه دأب في طلب العلم وأفتى به وبرع براعة فاق فيها من تقدمه من رجال الأندلس.
وألف في الموطأ كتبا مفيدة منها: كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد.
قال ابن حزم: لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله فكيف أحسن منه؟
وله: كتاب الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار.
وكتاب: الاستيعاب.
وكتاب: جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله وغير ذلك.
وكان موفقا في التأليف معانا عليه – نفع الله به – وكان له بسطة كثيرة في علم النسب.
وفارق قرطبة وجال في غرب الأندلس مدة ثم سكن دانية وبلنسية وشاطبة في أوقات مختلفة وتولى قضاء لشبونة وشنترين.
توفي في سنة 463، بمدينة شاطبة.
وكان مولده سنة 368، وهو: حافظ المغرب كما كان الخطيب البغدادي: حافظ المشرق وقد ماتا في سنة واحدة وهما: إمامان في هذا الفن – وكان أمر الله قدرا مقدروا.

.أبو بكر بن أحمد بن الحسين البيهقي:

واحد زمانه وفرد أقرانه في الفنون من كبار أصحاب الحاكم في الحديث ثم الزائد عليه في أنواع العلوم غلب عليه الحديث واشتهر به ورحل في طلبه إلى الجبال والحجاز والعراق.
وسمع بخراسان من علماء عصره تبلغ تصانيفه ألف جزء.
وهو: أول من جمع نصوص الإمام الشافعي.
وله: السنن الصغير والكبير ودلائل النبوة وشعب الإيمان ومناقب الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل.
وكان قانعا من الدنيا بالقليل.
قال إمام الحرمين في حقه: ما من شافعي المذهب إلا وللشافعي عليه منة إلا أحمد البيهقي فإن له على الشافعي منة.
وطلب إلى نيسابور لنشر العلم فانتقل إليها وكان على سيرة السلف.
وأخذ عنه الحديث جماعة من الأعيان.
ولد في سنة 384 وتوفي في سنة 458، بنيسابور ونقل إلى بيهق وهي: قرى مجتمعة بنواحي نيسابور على عشرين فرسخا منها وخسرو جرد: من قراها فهو منها.

.أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب النسائي الحافظ:

كان إمام أهل عصره في الحديث له كتاب السنن سكن مصر وانتشرت بها تصانيفه وأخذ عنه الناس وكان يتشيع امتحن بدمشق فأدرك الشهادة وحمل إلى مكة المكرمة فتوفي بها سنة 303 وهو مدفون بين الصفا والمروة وكان يصوم يوما ويفطر يوما وكان موصوفا بكثرة الجماع وكان إماما في الحديث ثقة ثبتا حافظا.
ونسا: مدينة بخراسان خرج منها جماعة من الأعيان ذكرت له ترجمة حسنة في الحطة والإتحاف مع بقية أصحاب الستة فلا نطول الكلام بذكرها هنا.

.الشيخ: عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد بن الخضر شيخ الإسلام مجد الدين أبو البركات بن تيمية الحراني جد الشيخ: تقي الدين المعروف: بابن تيمية.

قال الشوكاني في حقه: علامة عصره المجتهد المطلق شيخ الحنابلة المعروف: بابن تيمية.
قال الذهبي – في النبلاء-: ولد في حدود سنة 590 وتوفي في سنة 652، يوم الفطر.
تفقه في صغره على: عمه: الخطيب فخر الدين ورحل إلى بغداد وهو ابن بضعة عشر وسمع بها من: أحمد بن سكينة وابن طبرزد ويوسف بن كامل.
وسمع بحران روى عنه: الدمياطي وولده الشيخ: شهاب الدين عبد الحليم وجماعة.
وتفقه وبرع واشتغل وصنف التصانيف وانتهت إليه الإمامة في الفقه ودرس القرآن وحج في سنة 651، على درب العراق والتمس منه أستاذ دار الخلافة ببغداد: ابن الجوزي الإقامة عندهم فتعلل بالأهل والوطن وكان الشيخ ابن مالك يقول: ألين للشيخ المجد الفقه كما ألين لداود الحديث وابتهر علماء بغداد لذكائه وفضائله.
قال الشيخ تقي الدين: وجدناه عجيبا في سرد المتون وحفظ المذاهب بلا كلفة وصنف التصانيف مع الدين والتقوى وحسن الاتباع.
قال شيخنا وبركتنا الإمام القاضي الشوكاني – في نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار-: وقد يلتبس على من لا معرفة له بأحوال الناس صاحب الترجمة هذا بحفيده شيخ الإسلام: تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام – شيخ ابن القيم – الذي له المقالات التي طال بينه وبين عصره فيها الخصام وأخرج من مصر بسببها وليس الأمر كذلك.
قال في تذكرة الحفاظ في ترجمة شيخ الإسلام: هو أحمد بن المفتي عبد الحليم بن الشيخ الإمام المجتهد عبد السلام. انتهى.
وبالجملة: كان إماما حجة بارعا في الفقه والحديث وله يد طولى في التفسير ومعرفة تامة في الأصول والاطلاع على مذاهب الناس وله ذكاء مفرط ولم يكن في زمانه مثله.
وله المصنفات النافعة كالأحكام المسمى: بالمنتقى وشرح الهداية وصنف: أرجوزة في القراءة وكتابا في أصول الفقه.
وشيخه في الفرائض والعربية: أبو البقا وحكى البرهان المراغي: أنه اجتمع به فأورد نكتة عليه فقال مجد الدين الجواب عنها عن مائة وجه: الأول كذا والثاني كذا وسردها إلى آخرها ثم قال للبرهان: وقد رضينا منك الإعادة فخضع له. وانتهى.
وعلى كتابه: منتقى الأخبار شرح لشيخنا القاضي العلامة المجتهد المطلق الرباني: محمد بن علي الشوكاني سماه: نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار أجاد فيه كل الإجادة وبلغ غاية في الإحسان والإفادة ونهاية في التحقيق والاستدلال مع البدء والإعادة – ولله الحمد حمدا كثيرا مباركا.

.شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي:

أحد الأذكياء المشهورين وإمام الفقهاء المحدثين.
ولد في رجب سنة 755، وقيل: قبلها وقيل: بعدها.
وسمع من التقي سليمان وابن سعد وطبقتهما.
وتفقه بابن مسلم وتردد إلى شيخ الإسلام ابن تيمية ومهر في الحديث والفقه والأصول والعربية وغيرها.
قال الصفدي: لو عاش لكان آية كنت إذا لقيته سألته عن: مسائل أدبية وقواعد عربية فينحدر كالسيل وكنت أراه يوافق المزي في أسماء الرجال ويرد عليه فيقبل منه.
وقال الذهبي – في معجمه-: هو الفقيه البارع المقري المجود المحدث الحافظ النحوي الحاذق ذو الفنون كتب عني واستفدت منه.
وقال الحافظ ابن كثير: كان حافظا علامة ناقدا حصل من العلوم مالا يبلغه الشيوخ الكبار وبرع في الفنون وكان جبلا في: العلل والطرق والرجال حسن الفهم جدا صحيح الذهن.
وله: كتاب الأحكام في ثمان مجلدات والرد على أبي الحسن السبكي الكبير في رده على شيخه ابن تيمية سماه: الصارم المنكي على نحر ابن السبكي كتبته بخطي حين سافرت إلى الحرمين الشريفين على المركب فوق البحر المحيط ذهابا من بندر مجيئا إلى مكة المشرفة في سنة 1285 وله: المحرر في الحديث اختصره من الإلمام فجوده جدا واختصر التعليق لابن الجوزي وزاد عليه وشرح التسهيل في مجلدين وله: مناقشات مع أبي حيان فيما اعترض به على ابن مالك في الألفية وله: الكلام على أحاديث مختصر ابن الحاجب – رحمه الله – وشرح كتاب العلل على ترتيب الفقه – وقفت منه على المجلد الأول – وجمع: التفسير المسند ولم يكمله وله: المغني في الفقه وهو أجمع كتاب في بابه مغن للمقلد والمجتهد اشتريته بمائة ربية للمدرسة السليمانية الواقعة بمحمية بهوبال المحروسة.
قال الذهبي: ما اجتمعت به قط إلا واستفدت منه وكثر التأسف لما مات وحضر جنازته من لا يحصى كثرة.
وكانت وفاته في عاشر جمادى الأولى سنة 744، ذكر له الحافظ ابن حجر ترجمة حسنة في: الدرر الكامنة.
وكتابه: الصارم المنكي يدل على سعة اطلاعه في علم السنة وغزارة فضله وتحقيقه في العلوم الشرعية وإيثاره الحق على الخلق – رحمه الله تعالى.

.جمال الإسلام: كمال الدين محمد بن علي بن عبد الواحد المعروف: بابن الزملكاني.

الأنصاري الدمشقي قاضي قضاة الشافعية في عصره.
سمع من ابن علان وطلب الحديث وقرأه وكان فصيحا متسرعا بصيرا بالمذهب وأصوله ذكيا صحيح الذهن صائب الفكر وكان شكله حسنا ومنظره رائعا وتجمله في زيه وهيئته غاية وشيبته منورة يكاد الورد يقتطف من وجنتيه وعقيدته أشعرية وفضائله جموعها عديدة وفواضله ربوعها مشيدة.
وله: رسالة في الرد على ابن تيمية في مسألتي: الطلاق والزيارة والحق فيهما مع ابن تيمية ولذلك اعترف آخرا بفضله ومدحه مدحا بالغا إلى الغاية.
درس بالشامية البرانية والطاهرية والرواحية وألف: رسالة سماها: رابع أربعة.
توفي في سنة 727 وكان كثير التحيل شديد الاحتراز يتوهم أشياء بعيدة وتعب بذلك وعودي وحسد.
ومن نظمه: قصيدة يذكر فيها الكعبة الشريفة ويمدح النبي صلى الله عليه وسلم أولها:
أهواك يا ربة الأستار أهواك ** وإن تباعد عن مغناي مغناك

وعمل على هذه القصيدة كراريس سماها: عجالة الراكب في أشرف المناقب ذكر له أهل الطبقات تراجم حسنة في كتبهم.

.محمد بن علي بن وهب بن مطيع الإمام العلامة شيخ الإسلام: تقي الدين أبو الفتح بن دقيق العيد.

القشيري المنفلوطي المصري المالكي الشافعي أحد الأعلام وقاضي القضاة.
ولد سنة 625، بناحية ينبع وتوفي يوم الجمعة حادي عشر صفر سنة 702 سمع من: ابن عبد الدائم والزين خالد وابن رواح وغيرهم.
له التصانيف البديعة: كالإمام في شرح الإلمام والإلمام بأحاديث الأحكام في علوم الحديث وشرح عمدة الأحكام وشرح مقدمة المطرزي في أصول الفقه وجمع: الأربعين في الرواية عن رب العالمين وكان إماما متقنا محدثا مجودا فقيها مدققا أصوليا أديبا شاعرا نحويا ذكيا غواصا على المعاني مجتهدا وافر العقل كثير السكينة بخيلا بالكلام تام الورع شديد التدين مديم السهر مكبا على المطالعة والجمع قل أن ترى العيون مثله سمحا جوادا وكان قد قهره الوسواس في أمر المياه والنجاسات وله في ذلك حكايات ووقائع كثيرة وكان كثير التسري والتمتع وله عدة أولاد ذكور بأسماء الصحابة العشرة.
تفقه بأبيه وبالشيخ عز الدين بن عبد السلام واشتهر اسمه في حياة مشائخه وكان مالكيا ثم صار شافعيا.
ومن شعره – رحمه الله تعالى-:
أحباب قلبي والذين بذكرهم ** وتردادهم طول الزمان تعلقي

لئن غاب من عيني بديع جمالكم ** وجار على الأبدان حكم التفرق

فما ضرنا بعد المسافة بيننا ** سرائرنا تسري إليكم فتلتقي

وقال يمدح رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم-:
لم يبق أمل سواك فإن بغت ** ودعت أيام الحياة وداعا

لا أستلذ بغير وجهك منظرا ** وسوى حديثك لا أريد سماعا

هؤلاء المترجمون هم نقاوة الحفاظ ولعلنا قد أهملنا خلقا كثيرا من نظرائهم فإن المجلس الواحد في ذلك الزمان كان يجتمع فيه أزيد من عشرة آلاف محبرة يكتبون الآثار النبوية ويعتنون بهذا الشأن وبينهم نحو من مائتي إمام قد برزوا وتأهلوا للفتيا ثم اندرج أصحاب الحديث وتلاشوا وتبدل الناس بطلبة يهزأ بهم أصحاب الحديث والسنة ويسخرون منهم وصار علماء الأعصار وفضلاء الأمصار – في الغالب – عاكفين على التقليد في الفروع من غير تحرير لها مكبين على عقليات من حكمة الأوائل وآراء المتكلمين من غير أن يتعقلوا أكثرها فعم البلاء واستحكمت الأهواء ولاحت مبادي رفع العلم وقبضه من الناس فرحم الله امرأ أقبل على شأنه وقصر من لسانه وأكب على تلاوة قرآنه وبكى على زمانه وأدمن النظر في الصحيحين وعبد الله قبل أن يأتيه الأجل – اللهم فوفق وارحم.
قال الذهبي – في الطبقات – في آخر تراجم أهل الطبقة التاسعة: ولقد كان في ذلك العصر وما قاربه من أئمة الحديث النبوي في الدنيا خلق كثير ما ذكرنا عشرهم هاهنا وأكثرهم مذكورون في: تاريخي الكبير وكذلك كان في هذا الوقت خلق من أئمة أهل الرأي والفروع وعدد كثير من أساطين المعتزلة والشيعة وأصحاب الكلام الذي مشوا وراء المعقول وأعرضوا عما عليه السلف من التمسك بالآثار النبوية وظهر في الفقهاء التقليد وتناقض الاجتهاد – فسبحان من له الخلق والأمر-.
فبالله عليك يا شيخ ارفق بنفسك والزم الإنصاف ولا تنظر إلى هؤلاء النذر الشرر ولا ترمقنهم بعين النقص ولا تعتقد فيهم أنهم من جنس محدثي زماننا حاشا وكلا فما فيمن سميت أحد – ولله الحمد – إلا وهو بصير بالدين عالم بسبيل النجاة وليس في كبار محدثي زماننا أحد يبلغ رتبة أولئك في المعرفة فإني أحسبك لفرط هواك وسعة جهلك تقول بلسان الحال – إن أعذرك المقال-: من أحمد؟ وما ابن المديني؟ وأي شيء أبو زرعة؟ وهؤلاء المحدثون لا يدرون الفقه ولا أصوله ولا يفقهون الرأي ولا علم لهم بالبيان والمعاني ولا الدقائق ولا خبرة لهم بالبرهان والمنطق ولا يعرفون الله تعالى بالدليل ولا هم من فقهاء الملة فاسكت بحلم أو انطق بعلم فالعلم النافع: هو ما جاء عن أمثال هؤلاء ولكن نسبتك إلى أئمة الفقه كنسبة محدثي عصرنا إلى أئمة الحديث فلا نحن ولا أنت وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل فمن اتقى: راقب الله واعترف بنقصه ومن تكلم بالجهل أو بالجاه وبالشرف فأعرض عنه وذره وغيه فعقباه إلى وبال – نسأل الله العفو والعافية-. انتهى. كلامه ملخصا.
وقال في آخر الطبقة الخامسة – من كتابه: الطبقات-: وكان الإسلام وأهله في عز تام وعلم غزير وأعلام الجهاد منشورة والسنن مشهورة والبدع مكبوبة والقوالون بالحق كثيرون والعباد متوافرون والناس في رغدة من العيش بالأمن وكثرة الجيوش المحمدية من أقصى المغرب وجزيرة الأندلس وإلى قريب مملكة الخطا وبعض الهند والحبشة.
وخلفاء هذا الزمان: أبو جعفر وأين مثل أبي جعفر؟ علم ظلم فيه ثم ابنه: المهدي ثم ولده: الرشيد هارون.
وكان في هذا الوقت من الصالحين مثل: إبراهيم بن أدهم وداود الطائي وسفيان الثوري.
ومن النحاة مثل: عيسى بن عمر والخليل بن أحمد وحماد بن سلمة.
ومن القراء: حمزة بن حبيب وابن العلاء ونافع.
ومن الشعراء: مروان بن أبي حفصة وبشار بن برد.
ومن الفقهاء: كأبي حنيفة ومالك والأوزاعي.
قال: وعن يحيى التميمي قال: سمعت أبا يوسف القاضي – صاحب أبي حنيفة – عند وفاته يقول: كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق الكتاب والسنة.
وفي لفظ: إلا ما وافق القرآن وأجمع عليه المسلمون. انتهى.
قلت: وهكذا كان حال السلف فقد روينا عن ابن خزيمة أنه قال: ليس لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قول إذا صح الخبر.
وكان الحافظ ابن المنذر: مجتهدا لا يقلد أحدا.
وكان ابن عبد البر: صاحب اتباع وسنة.
وكان ابن وهب الفهري: حافظا مجتهدا لا يقلد أحدا.
وكذا: بقي بن مخلد القرطبي: المفسر المحدث كان لا يقلد أحدا تعصبوا عليه لإنكاره مذهب أهل العصر فدفعهم عنه أمير الأندلس: محمد بن عبد الرحمن المرواني واستنسخ كتبه وقال لبقي: انشر علمك.
وروي عن بقي أنه قال: لقد غرست للمسلمين غرسا بالأندلس لا يقلع إلا بخروج الدجال.
وهكذا كان: قاسم بن محمد بن سيار: إماما مجتهدا لا يقلد أحدا وكان مذهبه النظر والحجة ولم يكن بالأندلس مثله في حسن النظر مات سنة 376، إلى غير هؤلاء ممن لا يحصى كثرة ولا يستقصى عددا.
ولذا قال المحققون: إن التقليد والمقلدة ليسا من العلم والعلماء في صدر ولا ورد ولا يطلق اسم العلم والعالم عليهما.
وإنما حدث التقليد حين ضعف العلم وتمسك به الجهال والعوام وعمت به البلوى على ممر الدهور في الأنام.
قال سفيان الثوري: ليس طلب الحديث من عدة الموت لكنه علة يتشاغل بها الرجل قلبه – وقد صدق والله في هذا المقال لأن طلب الحديث شيء غير الحديث-.
فطلب الحديث اسم عرفي لأمور زائدة على تحصيل ماهية الحديث وكثير منها مراق إلى العلم وأكثر الأمور التي يشغف بها المحدث: تحصيل النسخ المليحة وتطلب العالي وتكثر الشيوخ والفرح بالألقاب والابتشار بالثناء وتمني العمر الطويل ليروي وحب التفرد إلى أمور عديدة لازمة للأغراض النفسانية لا للأعمال الربانية.
فإذا كان طلبك للحديث النبوي محفوفا بهذه الآفات فمتى خلاصك منها إلى الإخلاص؟ وإذا كان علم الآثار مدخولا فما ظنك بعلم المنطق والجدل وحكمة الأوائل التي تسلب الإيمان وتورث الشكوك والحيرة التي لم تكن – والله – من علم الصحابة ولا التابعين ولا من علم الأوزاعي والثوري ومالك وأبي حنيفة وابن أبي ذئب وشعبة ولا – والله – عرفها ابن المبارك ولا أبو يوسف ولا وكيع ولا ابن وهب ولا الشافعي ولا أبو عبيد ولا ابن المديني ولا أحمد ولا أبو داود ولا المزني والبخاري والأثرم ومسلم والنسائي وابن خزيمة وابن شريح وابن المنذر ولا أمثالهم؟ بل كانت علومهم: القرآن والحديث والنحو والتاريخ وشبه ذلك.
ومن كلام سفيان أيضا: ما من عمل أفضل من طلب الحديث إذا صحت النية فيه.
هذا آخر ما استفدته من كلام الحافظ الذهبي – وبالله التوفيق وهو المستعان.